نتنياهو في مأزق- هل ينقذ القرار الأمريكي إسرائيل من نفسها؟

المؤلف: د. طارق الزمر11.09.2025
نتنياهو في مأزق- هل ينقذ القرار الأمريكي إسرائيل من نفسها؟

بعد صدور قرار مجلس الأمن، بات من الجليّ أن نتنياهو يترنح في مستنقع الدماء الذي أوجده بنفسه، ويورّط معه جميع حلفائه الإقليميين والدوليين. لكن هل كان هذا القرار كافيًا حقًا لوقف الاعتداءات الشرسة على الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة، أم أنه مجرد تكتيك لتشتيت الانتباه وإخماد الغضب المتصاعد؟

في الواقع، اضطرت واشنطن، على غير عادتها، للامتناع عن التصويت، متخلية عن استخدام حق النقض (الفيتو) الذي طالما طلبه نتنياهو بإلحاح. ولم يكن هذا التحول وليد رغبة في إدانة حماس، كما ادعت، بل نتيجة للمخاطر المتزايدة التي باتت تكتنفها بسبب القيادة الطائشة لنتنياهو، الذي يغرق بنفسه ويجر معه حلفاءه إلى الهاوية.

رسالة اعتراضية

يبدو أن الولايات المتحدة أرادت توجيه رسالة توبيخ شديدة اللهجة لنتنياهو، الذي استبد برأيه وأصبح غير مكترث بنصائح الحليف الأميركي، الذي هو أبعد ما يكون عن مجرد حليف، بل هو صاحب القرار والبيت، وليس مجرد ضيف متطفل يحشر أنفه فيما لا يعنيه، كما يحاول نتنياهو تصوير الأمر.

ومع ذلك، لا يمكن اعتبار الرسالة الأميركية مجردة من الأهداف السياسية؛ فهي تسعى أيضًا لإعادة صياغة المشهد السياسي الداخلي في إسرائيل، وإعادة نتنياهو إلى حجمه الطبيعي، بعيدًا عن استغلال الكيان الصهيوني لتحقيق مصالحه الذاتية.

فالكيان يجب أن يظل مجرد امتداد وظيفي للإستراتيجية الأميركية في المنطقة، ولا يُسمح له بإدارة أمنه الإستراتيجي بمعزل عن الرؤية الأميركية للمنطقة. يجب ألا يتعدى وضعه الحالي، أي كونه مجرد موظف لدى الإدارة الأميركية، ويجب ألا ينسى هذا الأمر أبدًا.

التأييد الأعمى يضرّ إسرائيل

إن الموقف الأميركي المستجد لا يمثل – كما يزعم البعض – تخليًا عن الكيان الصهيوني، أو تراجعًا عن الالتزام بتسليحه وضمان تفوقه العسكري، فهذه ثوابت لا يمكن المساس بها. بل هو بالأحرى، تأكيد على طبيعة العلاقة بينهما بشكل أعمق، وترسيخ الارتباط بأمن الكيان، الذي يجب الحفاظ عليه بكل السبل. ويجب أن نلاحظ في هذا القرار استعداد الولايات المتحدة للتخلي عن أي قائد، مهما بلغت صهيونيته، إذا كانت سياساته أو غطرسته تهدد الأمن الإستراتيجي للكيان.

من هذا المنطلق، يجب أن ندرك أن الموقف الأميركي الجديد يهدف إلى إنقاذ إسرائيل من نفسها، ولا ينطوي بأي شكل من الأشكال على الإضرار بها. ولهذا نجد ترامب، الذي يُعتبر الأكثر تطرفًا في دعمه للكيان الصهيوني في تاريخ الصراع، يشدد على ضرورة وقف هذه الحرب، بل ويجعل ذلك أساسًا لحملته الانتخابية التي يسعى من خلالها إلى إلحاق الهزيمة ببايدن والديمقراطيين. لأنه يدرك تمام الإدراك أن التأييد الأعمى لإسرائيل سيضرها أكثر مما ينفعها على المدى الطويل.

صورة غير مألوفة

يشير الموقف الأميركي الجديد بوضوح إلى أن الرأي العام الأميركي بدأ يرفض الوحشية الصهيونية التي تمطر القنابل الأميركية على رؤوس الأطفال والنساء الأبرياء دون تمييز، على الرغم من معاناتهم من حصار جائر منذ 17 عامًا. وقد أدى ذلك إلى تعاطف عالمي غير مسبوق مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، لدرجة تفوقت فيها روايتهم على الرواية الإسرائيلية التي لطالما تمتعت بالتفوق في الدعاية والإعلام على المستوى الدولي.

لقد ظهر ترامب في صورة غير معهودة وهو يردد نفس عبارة بايدن: إن إسرائيل تتجه نحو خسارة جميع أشكال الدعم في العالم، بل ويدعوها إلى السعي نحو السلام، لأنها في أمس الحاجة إلى العيش في ظروف طبيعية وهادئة!

إلى هذا الحد بات واضحًا للعيان أن إسرائيل تعيش أزمة حقيقية، وأن المقاومة الشرسة والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني قد نجحا في تغيير الكثير من الثوابت السياسية والإستراتيجية والمعنوية في عالمنا المعاصر. ولم يتبق سوى أن تتفاعل الأمة العربية والإسلامية مع بطولات الشعب الفلسطيني؛ لتكمل هذه الملحمة وتحقق النصر المنشود للقيم والمبادئ التي بات العالم بأمس الحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة